| 0 التعليقات ]


الشاعر عاشور فني ل"الأثر" الأدبي
· التجربة الشعرية لقاء بين ما هو آني عابر وكوني مطلق
أجرى الحوار : الخير شوار

بدأ عاشور فني الكتابة الشعرية في نهاية سبعينيات القرن الماضي وانتظر سنة 1994 ليصدر عمله الأول "زهرة الدنيا" ثم حوالي عشر سنوات أخرى لترى مجموعته الثانية "رجل من غبار" النور. وفي أثناء ذلك بدأ تجربة جديدة في الثقافة العربية وهي كتابة شعر الهايكو، وكان ينشر بين الفينة والأخرى بعض النصوص بالعربية والإنكليزية والفرنسية. في الأيام القلية الماضية صدرت له مجموعة شعرية هايكوية بالفرنسية عنوانها " " فكان ذلك مناسبة لهذا الحوار
:
صدر هذا الحوار في ملحق " الأثر" الأدبي بتاريخ 17 يناير 2006

مبروك مرة أخرى صدور مجموعتك الجديدة باللغة الفرنسية ( أعراس الماء) ، فهل هي نهاية مرحلة رجل من غبار التي قلت لي سابقا بأنها ما تزال تراودك بين الفينة والأخرى؟

الساعر عاشور فني: بداية دعني أهنئكم على هذه المغامرة الفكرية الجديدة التي تخوضونها في "لأثر"، فمثل هذه التجارب المتجددة ضرورة لبعث الساحة الثقافة نحو التجدد وتعددية الآفاق الإبداعية. ويسعدني كثيرا احتفاؤكم بكل ما هو إبداعي وجديد وشامخ، في الثقافة الجزائرية المعاصرة وفي الثقافة العالمية. هذا التفتح هو سمة كل ثقافة في مراحل قوتها وعطائها وثقتها في ذاتها. فهنيئا لنا بهذا. وشكرا على الكلمات اللطيفة. في ما يخص "أعراس الماء" الذي صدر مؤخرا باللغة الفرنسية عن منشورات فيدال-أنتالم-إكس بمرسيليا، هو خلاصة تجربة جديدة، مكثفة، أعتبرها محطة أخرى في مساري الشخصي وفي تجربتي في الكتابة، تختلف جذريا عن تجربة رجل من غبار. وتكمن عناصر الاختلاف الأساسية في العلاقة بالزمن، وبالكون وعناصر تكوينه المختلفة كما تكمن في العلاقة مع الشعر ذاته ومع اللغة. ولو أخذنا في اعتبارنا عنصرا واحدا وهو الزمن لوجدنا أن التجربة الأولى "رجل من غبار" قد ظلت معي 14 سنة وهو ما أتاح لي أن أفرغ فيها كثيرا من الجهد وأن أتعمق كل جوانبها في هدوء وبنفس طويل. أما في أعراس الماء فقد كانت التجربة حادة ومفاجئة وكثيفة وسريعة إلى درجة أنني لخصتها أو تجاوزتها في ظرف ثلاثة أسابيع تقريبا. أما عن الكون الذي تنتمي إليه "أعراس الماء" فهو بكل بساطة عالم الوفرة والحضور الآني الدائم المتبدل الثابت المتلون الذي لا لون له، مصدر الحياة والموت الدائم المباغت. عالم المتناقضات كلها: عالم الماء. وكان يكفي أن تتملكني هذه الفكرة في لحظة صفاء عابرة ليتغير موقفي من أشياء كثيرة، ومنها الكتابة الشعرية نفسها. شاهدت نفسي غارقا في بحر كبير وأنا على شاطئ عادي صغير. تمنيت ساعتها لو دامت تلك اللحظة إلى الأبد، وكان ذلك مبدأ القصيدة، والباقي مجرد خلاصة لتجربة تلك اللحظة العظيمة.

- لماذا النشر بالفرنسية أولا، هل لأن هذه اللغة أكثر استيعابا لهذه التجربة من العربية، أم أن في الأمر اعتبارات أخرى؟

الشاعر عاشور فني: شكرا لهذا السؤال. سبق أن قلت أن علاقتي باللغة كانت من بين عناصر الاختلاف. ذلك أن هذه التجربة كانت فعلا باللغتين العربية والفرنسية معا. كنت يومها كمن يركب جوادين بتعبير أبوليوس في حديثه عن كتابته باللغتين الإغريقية واللاتينية. وقد كانت المقاطع الأولى فعلا باللغة العربية ثم وجد نفسي أعيد كتابة نفس المقاطع باللغة الفرنسية وهو ما استمر معي بشكل تلقائي في كل مقطع أكتبه باللغة الفرنسية أعيد كتابته باللغة العربية مباشرة، مما جعل النص أصليا في اللغتين معا. إنها تجربة فريدة، وتفسيرها بالنسبة لي شخصيا هو أنني كنت يومها أكمل تجربة سنة كاملة في ترجمة الشعر والاطلاع على التجارب والاتصال بالآخرين من مختلف الآداب واللغات، كما كنت أتهيأ للمشاركة في ملتقى دولي للشعر وفي ورشة ترجمة وكتابة. هذا التفتح الدائم والإصغاء للآخر فرض نفسه على التجربة وساهم في صياغتها بهذا الشكل. وفي غمرة الكتابة لاحظت أنني في الحقيقة أستمرئ هذا الوضع بشكل لم يسبق له مثيل، كما أنني عملت أيضا على تعميق التجربة نظرا لوعيي الكامل بخصوصيتها على كل المستويات. فالنص إذن موجود باللغتين العربية والفرنسية وهو الآن قيد الترجمة إلى اللغة الإنجليزية. أما النشر فتلك مسألة أخرى. وضعت النص تحت تصرف ناشر جزائري وعد بإصداره في طبعة مزدوجة، كان ذلك حلمي في الحقيقة. ولكن بعد سنة اعتذر الناشر لأسباب تخصه. وأثناء ذلك ظهر الناشر الفرنسي بغتة فاقترح نشر النصر الفرنسي، بشكل مبتكر، وما زال النص باللغة العربية في الانتظار.

- لجوؤك إلى الهايكو منذ سنين، هل هو ناتج عن إحساسك بحدود الكتابة الكلاسيكية أم كان رغبة في اكتشاف أراض جديدة
؟
الشاعر عاشور فني: لم ألجأ إلى الهايكو، بل كان هذا الشكل الكتابي مبثوثا في نصوصي الأولى ولم أكن أعيه بشكل كامل. وفي بداية الثمانينيات كنت أقول لصديقي العباس عبدوش إنني أكاد أعثر على القصيدة مكتوبة من تلقاء نفسها وأنني لا أفعل أكثر من أن أزيح عنها غشاوة أراها. أرى غشاوة على النص الذي أكتفي باكتشافه. كنت أرى وما زلت أن التجربة الشعرية هي تجربة صوفية بالأساس أي لقاء كامل بين ما هو آني عابر وكوني مطلق دائم. وكنت دائما وما زلت أقف ضد التوجه اللفظي المحض في الكتابة والذي ابتذل الشعر والأدب إلى درجة فاضحة لتغطية فراغ التجربة وغياب الرؤية. لا يمكن للجعجعة اللفظية أن تحل محل التجربة الشعرية. وما زلت أقف ضد لصوص اللغة الصوفية القدامى والمحدثين، الذين يوهمون الناس بعذابات الصبوة والبوح والرحيل وهم في طينهم غارقون. وقد تحول لدي هذا الموقف إلى مبدأ واضح: لا علاقة للشعر باللفظة أصلا. ثم تطور ذلك إلى نوع من البحث في التشكيل البصري للوحة ملونة بالطبيعة ولحظات الحياة اليومية، وقد تعلمت كثيرا من كتابة بول إيلوار في اللغة الفرنسية، ولم أنتبه إلى علاقة ذلك بالهايكو إلا في وقت متأخر حين صادفت بعض الكتابات النقدية عن السينما، ثم أخذت الأمر مأخذ الجد لأنه كان يحل مشكلة أساسية في كتابة الشعر: مشكلة الصورة. وهنا انتقلت إلى دراسة تراث التصويريين وعلى رأسهم إزرا باوند، الذي يقدم في النقد العربي على أنه أبو الحداثة في الشعر، دون أن توضح علاقته بالمصدر الشرقي لهذه الحداثة ألا وهو شعر الهايكو الياباني، وقد كان بعض أعضاء جماعة "سوهو" الشهيرة يوضح نقاط خلافه الفلسفية والنقدية مع زملائه بواسطة كتابة مقاطع هايكو، كما رد أحدهم بقوة على إزرا باوند نفسه متهما إياه بعدم فهم فلسفة كتابة الشعر الشرقية. لا أريد أن أثقل على القراء بالتفاصيل، ولكن أقول أن الكتابة الحديثة تتضمن شيئا من هذا الشكل الكتابي إلى هذا الحد أو ذاك. ولكن الجديد هو اتخاذ كثافة اللحظة مرتكزا للتجربة برمتها. ذلك عنصر قابل للتطوير ويمكنه أن يمضي بإنجازات القصيدة العربية قدما نحو المزيد من التطور.


-في حدود معلوماتي فأنت تكتب الهايكو بالعربية والفرنسية والإنكليزية، هل التجربة واحدة أم أن هناك تجربة داخل كل لغة؟

الشعار عاشور فني: فعلا نشرت لي بعض نصوص الهايكو في الملحق الأدبي ليومية يوميوري شيمبون اليابانية في نسختها الإنجليزية. والواضح أن اللغة الإنجليزية التي وعت أزمتها مبكرا قد انخرطت في أشكال كتابية جديدة تنزع نحو اليومي والنثري وتحاول إعادة اكتشاف الشعري في ما هو عادي ويومي، وطورت لذلك أساليب تعبير وتطورت معها ذائقة القراء وأساليب العمل، فاللغة الإنجليزية الآن مهيأة بما يكفي لخوض الأشكال الأكثر غرابة في الكتابة واللغة الفرنسية كذلك. أما اللغة الشعرية العربية فقد أخذت اتجاهين أساسيين في العقود الأخيرة: اتجاه يبحث عن الحداثة لدى المتصوفة وفي أدراج التراث وهو في اعتقادي بحث مشروع ولكن طمس ملامح الشعرية في اللغة العربية الحديثة، وأما الاتجاه الثاني فقد نحا منحى متعاليا جدا، لم يعد معه ممكنا أن يوجد الشعر إلا في القضايا الكبرى ذات الخطورة العظمى. وكلا الاتجاهين يجد دعما لدى المؤسسات الرسمية والشعبية ذات العلاقة بالشعر، والتي تكيف ذوق الجمهور. وقد ابتذل الاتجاهان معا من قبل جهات غير ثقافية وجدت فيهما طريقة للترويج لبضاعتها غير الأدبية، وخلقت لهما جمهورا رهيبا لا يقبل الحوار إلا من زاوية ضيقة جدا لا علاقة لها بالثقافة. في ما يتعلق بتجربتي أعترف أن تجربة الكتابة بلغات أخرى مفيدة جدة، ودلتني على نقاط ضعفي في الكتابة بلغتي العربية وكان ذلك مصدر إثراء لتجربتي. كما سمح لي ذلك بمعرفة صدى كتابتي لدى الآخرين في ثقافات أخرى، وأعترف هنا أيضا أن جودة النص تفرض نفسها في أية لغة كانت، وأن للثقافة العربية مكانة طيبة عند كثير من الشعوب وأن المطلوب هو الانفتاح على تلك الشعوب والثقافات لمعرفتها والتعريف بثقافتنا لديها.

- كيف ترى قصيدة الهايكو في اللغة العربية، وهل ترى أن مثل هذه التجارب بإمكانه إخراج القصيدة العربية من مأزقها؟
للهايكو الآن حضور عالمي وفي لغات عديدة يكتبون الهايكو ويعلمونه للأطفال في المدارس باعتباره فنا تعبيريا رفيعا، وتنظم ملتقيات ومهرجانات للهايكو عبر العالم. ولكن لا يوجد أي حضور للغة العربية، بل إن الشائع لدى هذه الأوساط هو أن اللغة العربية غير قادرة على الإبداع في هذا الشكل التعبيري بسبب تقاليدها الشعرية الخاصة. ولا أريد أن أدخل هذا النقاش الآن ولكن أقول أن للمبدعين طريقتهم في ابتكار طرق التعبير الخاصة بهم ولا يمكن للهايكو أن يحل مشكلة ولكن بإمكانه أن يفيد في تطوير التجارب القائمة هنا وهناك. ومن التجارب التي اطلعت عليها أشكال تعبيرية قصيرة جدا قائمة على السطر الواحد أو الجملة الواحدة، وهي محاولات لدى شعراء عرب يريدون الخروج من شكل التعبير الذي فرضته الذائقة العامة الممجدة للخطاب الطويل الدسم، الحداثي أو التقليدي على السواء. هناك تجارب متفرقة لكتابة الهايكو، اطلعت منها على تجربتين لكل من محمد الأسعد، مترجم كتاب الأستاذ كينيث ياسودا عن فن الهايكو وتجربة أخرى لشاعر فلسطيني، ولا أعتقد أن ذلك يحل مشكلة ما ولكنه انفتاح جديد، ولو متأخر، على إحدى التجارب العالمية التي تعتبر منبع الحداثة الشعرية الغربية بالأساس ولا شك هذا تصحيح ضروري للنظرة السائدة والتي لا قبلة لها إلا الغرب.


- كثيرة هي الكتابات التي تحتفي بالماء في متننا الأدبي، فما هي خصوصية تجربتك "المائية"؟
الشاعر عاشور فني: تناول الشعراء الماء باعتباره موضوعا مستقلا أو باعتبار رمزيته، وهذا موجود في الشعر والنثر. ما أراه في "أعراس الماء" يختلف كثيرا عن ذلك. أعراس الماء رؤيا يتجلى فيها الخير العميم والاكتفاء والحضور الناعم للحياة، ويصبح الماء الذي لا لون له منبعا لما لانهاية له من الرؤى والصور والتشكيلات البصرية والذهنية. فزرقة البحر تصب في زرقة السماء في شلال صاعد نحو أعلا الجبل، وزرقة البحر تنسكب أيضا في زرقة المساء في عتمة الليل مرورا نحو الفجر. وتحت صفحة البحر آلاف الصفحات الصاعدة من أعماق داكنة تسكن البحر، هذا هو العالم الذي يظهر في البشر وتتجلى فيه عروس البحر بشاشة على الوجوه. فالماء رؤيا للكون وليس موضوعا للكتابة.

وماذا بعد هذه التجربة؟
تجارب أخرى سيتم الإعلان عنها في حينها. علمتني تجربة رجل من غبار أن أتريث قبل الإعلان عن أي عمل. فللتجربة قواعدها وشروطها التي ينبغي أن تكتمل وتنضج في هدوء وتصدر في سكينة. ولذلك أكتفي بالقول أن أعراس الماء هي تجربة أخرى في الكتابة والنشر والعرض مختلفة تماما، بينت إمكانية تجاوز رداءة ظروف النشر الحالية، كما بينت أيضا تفاهة الرأي القائل بانتهاء دور الشعر. الشعر لا زمن له وله كل الأزمنة. وله ناشروه قارئوه وكاتبوه ونقاده والعاملون له أيضا، فلا يكفي أن "نطبع" الكتاب ونتركه في الرف ثم نقول أن الشعر لا قارئ له. لنشر الشعر شروط ينبغي العمل على توفيرها. وعندئذ سيتوفر ما يكفي من نصوص منشورة للحكم. وإذا كان النص الروائي، يقاس بعدد القراء وبالإقبال الجماهيري، فإن نوعية النص الشعري تقاس بمدى تأثيره في النصوص الأخرى ومدى إبداعيته، حتى ولو لم يكن له قراء غير الشعراء والكتاب أنفسهم. فالشعر يظل منبع الرؤى ومصدر إلهام المبدعين.

ومتى نقرأ "أعراس الماء" باللغة العربية؟
الشاعر عاشور فني : قريبا إن شاء الله
صدر هذا الحوار في ملحق " الأثر" الأدبي بتاريخ 17 يناير 2006
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]




هجرة النص الشعري، هجرة الداخل
شهادة في ترجمة النص الشعري
عاشور فني -الجزائر

مداخلة في الملتقى الدولي الأول للكتاب العرب في المهجرالمكتبة الوطنية الجزائرية
الجزائرفي 24 -28 جوان 2007



هاجر العديد من الكتاب والشعراء وعادت نصوصهم إلى ثقافاتها ولغاتها تحمل ذواتهم المهاجرة أكثر ألقا وإشراقا. فالهجرة إلى الخارج فعل خارجي مؤقت على ما فيه من دلالات وما يترتب عنه من آثار. واختيار مكان إقامة في الخارج طلبا لظروف أكثر ملاءمة للكتابة أو للعيش لا يعني بالضرورة الانفصال عن الثقافة واللغة وعما يشكل الذات الثقافية للمبدع وإن تبدل مناخ الإبداع وتبدلت العلاقة مع الآخر.

ووراء كل هجرة إلى الخارج هجرة في الداخل. فعادة ما يضطر المهاجر إلى خيار الهجرة باعتباره أفضل من "هجرة" مفروضة عليه في الداخل. وهجرة الداخل هجرتان: هجرة الذات إلى ذاتها أو عن ذاتها.

وقد قال أبو حيان التوحيدي : أغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه وأبعد البعداء من كان بعيدا في محل قربه.

وإذا كان لنا أن نقارن بين هجرة الخارج وهجرة الداخل فإننا نقول : ما أن تتوفر شروط العودة الملائمة حتى يعود المهاجر إلى موطنه ويستأنف حياته بين ذويه وفي مناخه الثقافي مع شيء ( قليل أو كثير) من الآثار الباقية من مرحلة الهجرة. وقد تحمل النصوص ذاتها تلك الآثار، وذلك حديث آخر.

أما المهاجر إلى الداخل فإلى أين يعود؟ إلى الخارج؟ هي هجرة أخرى إذن.
وماذا عن هجرة النص؟ وهل تتوفر له شروط العودة إلى ثقافته وإلى لغته ولو عاد صاحب النص إلى وطنه؟

هاجر جبران وعاد نصه النبي إلى موطنه أعني إلى ثقافته الشرقية ولغته العربية ويجهل الكثيرون(عربا وغير عرب) ممن حفظوا النص أو أعجبوا به أنه كتب أصلا باللغة الإنجليزية لا العربية. أما في الثقافات الأخرى فقد اعتبر نصا خارجا عن الأدب: نصا دينيا، وقد رأيت كتاب النبي في بعض مكتبات أوروبا وأميركا الشمالية ضمن جناح الكتب الدينية.

موضوع هذه الشهادة هو: هجرة النص الشعري وهجرة الداخل: هجرة النص إلى جغرافيا ثقافة أخرى. وهجرة صاحب النص في الداخل وهجرة إلى الداخل أيضا ولو بقي الشاعر في موطنه وبين ظهراني أهله وفي محيطه الثقافي. فما هجرة النص ؟ وما هجرة الداخل؟

هجرتي إلى النص الشعري

كان شعر بول إيلوار دليلي إلى اللغة الفرنسية ثم كانت الترجمة العلمية أول نشاط لي في مجال الترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية. ويمكن القول أن الهاجس الأساسي للمترجم عندما يتعلق الأمر بالمادة العلمية هو المصطلح العلمي ودقة المعنى. وغايته هو نقل مضمون معرفي دقيق قابل للفهم والاستيعاب في اللغة الثانية. وواضح من هذا أن المترجم يتجه إلى العقل ويتوخى النقل الأمين للمضمون المعرفي الناجز الجاهز المنفصل عن اللغة نفسها. فاللغة أشبه بالوعاء الذي يحوي المضمون المعرفي.

أما في ترجمة النص الشعري فالأمر على العكس من ذلك تماما. يتعلق الأمر بمجال إبداعي غاية في الذاتية والمفاجأة والإفلات عن الفهم والإدراك بل إن الغموض نفسه جزء من القيمة الفنية التي يتعين الحفاظ عليها بهذا القدر أو ذاك في ترجمة النص الشعري.

إذا كانت ترجمة النص العلمي "نقلا" من لغة إلى أخرى فإن الشائع هو اعتبار ترجمة النص الأدبي " إعادة كتابة" وهناك مقولات عديدة تتعلق بإعادة الكتابة هذه منها أن الترجمة "خيانة جميلة " وكتابة ثانية" للنص الأدبي المترجم وما إلى ذلك مما يدل على صعوبة الترجمة إن لم يكن استحالتها، ويشير عادة إلى تعارض بين قيمتين: الأمانة والجمال.

هجرة النص الشعري

هجرة النص استعارة لانتقال النص من لغة إلى لغة أخرى. هي هجرة بما هي خروج عن إطار لغوي وعن مناخ ثقافي إلى آخر، هجرة إلى جغرافيا ثقافية مغايرة ولو كانت مجاورة.

في بداية اشتغالي على ترجمة الشعر اتخذت مقولة الخيانة الجميلة مبدأ في ترجمة بعض الأشعار من اللغة الفرنسية إلى العربية وكانت نصوص بول إيلوار محور اشتغال لغوي وإبداعي لمدة من الزمن. وقد تضمنت بعض قصائدي الأولى آثار ذلك. وكان المرحوم أبو إلياس الوحيد الذي انتبه إلى ذلك، وعندئذ فقط أطلعته على بعض نصوص كنت كتبتها باللغة الفرنسية ولم أنشرها حتى الآن.

وفي مرحلة تالية اشتغلت على ترجمة نصوص أخرى كتبتها باللغة العربية فترجمتها إلى الفرنسية سنة 2002. وكانت تجربة متميزة تلك التي أتيحت لي أثناء ملتقيات دولية في غمرة اللقاء "بالآخر" وبالشعراء "الآخرين".

سمحت لي هذه التجربة خاصة بتطوير فهمي لترجمة النص الشعري، وابتعدت كثيرا عن فكرة النقل التي اعتمدتها في الترجمة العلمية وعن فكرة إعادة الكتابة معا، بل انتبهت إلى أن أهم ما كنت أقوم به هو القراءة: كان ذلك اكتشافي في مهرجان أصوات المتوسط في "لوديف" بجنوب فرنسا سنة 2002. وقد احتفظت بهذه الفكرة في عملي اللاحق: أن أضع الترجمة في أفق القراءة لا الكتابة: القراءة المزدوجة: قراء لي وقراء ة لقارئ آخر في لغة أخرى.

وكانت سنة الجزائر في فرنسا (2003) فرصة للتفكير في الأمر بشكل مغاير حين التزمت بترجمة مجموعات شعرية لشعراء أصدقاء جزائريين ضمن هدف مزدوج: التعريف بالشعر الجديد في الجزائر واستعادة مساحة اللغة الفرنسية لصالح الإبداع الجزائري.

وأثناء الاشتغال على نصوص محددة انتبهت إلى عناصر جديدة في ترجمة الشعر لم أكن أتبينها من قبل، وأهمها هو النص الشعري باعتباره وثيقة عمل وقاعدة اشتغال اتفاقية تمثل التزاما أدبيا وقانونيا (ككل النصوص)، ولكنه أيضا وثيقة ثقافية معرفية نابضة بالحياة (نصوص عمار مرياش وعياش يحياوي ولخضر فلوس) ومستعصية أحيانا على الإدراك (نصوص مشري بن خليفة) وغير قابلة للتطويع نصوص أحمد عبد الكريم). وهو أحيانا أخرى وثيقة تاريخية تفهم في سياق محدد (نصوص عبد الحميد بن هدوقة: الأرواح الشاغرة).

وقد اعتبرت تلك التجربة مجالا لاختبار فرضيتي الشخصية: أن الترجمة قراءة لا إعادة كتابة ولكنني بكل أمانة لا أدري كيف أفسر النتيجة التي انتهيت إليها:

· تأكد لدي، من ناحية أولى، أن ما أترجمه هو فهمي للنص أما النص فيظل ملكا لقارئ آخر يأتي بعدي وقد يكون هو أنا نفسي، فلو أعدت القراءة لأعدت الترجمة من جديد ولخرجت بقراءة أخرى، أي " نص آخر".
· من ناحية أخرى انتهيت إلى نوع من المفارقة حيث اختلط عليّ ترتيب الأمر واختلطت الوظائف التي كانت واضحة في ذهني: استعصى عليّ مثلا أن أجزم : هل أنا بصدد القراءة أم الكتابة؟ أم هي القراءة الكاتبة أم الكتابة القارئة؟ والواقع أنني لم أعد أجد كثيرا من الفروق بين هذه المقولات فهي كلها متلازمة وهذه حالة لم تتهيأ لي من قبل بهذه الصيغة. وأرى أن النص الشعري بالذات مهيأ لمثل هذا الأمر: يظل دائما قراءة لنص سابق ومنبعا لنص لاحق هو نص القارئ الآتي؛
· تولد لدي نوع من التعلق بالإقامة الدائمة في موطن الهجرة المؤقت ونوع من الافتتان بفعل الترجمة كحد من حدود القراءة أو الكتابة أو كأفق يجمعهما معا، ووجدت نفسي أترجم ما أكتب وأقرؤه في اللغة الأخرى مباشرة كما لو كان ذلك منتهى فعل الكتابة نفسه. وقد اعتبرت أن الفرضية التي اشتغلت عليها أدت إلى أكثر مما كنت أتوقع؛ وهكذا كان مولد نص في لغتين في صيف 2003 (أعراس الماء: Noces d’Eau ).
· تعلمت من ذلك كله أن الكتابة ورشة للعمل والتعلم في نفس الوقت، ومجال للشغل وللعب وللجد والاستمتاع والاستماع والإنصات للذات وللآخر الكامن في الذات أيضا. كان ذلك هو جائزتي الشخصية.

حدود ترجمة النص الشعري

خلال ورشتين لترجمة الشعر بالمركز الدولي للشعر بمرسيليا(نوفمبر 2003) والجزائر (فبراير 2004) اشتغلنا على نصوص شعرية فرنسية وأخرى عربية. كانت تجربة ترجمة النصوص الشعرية متميزة قوامها العمل المنظم المؤسسي المنتظم وحل عمل الفريق محل العمل الفردي. كنت في الحقيقة مستعدا لأن أضع فهمي وأضع كل النتائج والإنجازات السابقة محل اختبار ولكن الأمر كان مختلفا تمام الاختلاف:

· كان الفريق غير متجانس تماما: تجربة وثقافة وانخراطا في العمل وإيمانا بالتجربة نفسها باعتبارها حوارا رفيعا في مناخ إبداعي. وقد تألف الفريق من 3 ثلاثة شعراء جزائريين وثلاث شعراء فرنسيين وميسر يتولى التنسيق. وما يمكن قوله هو أن كل طرف كان شبه مكتف بنفسه ويرى نفسه في غنى عن الحوار العميق مع الآخر؛
· كان العمل التقني نفسه "الترجمة" محل خلاف كبير فبعض أعضاء الفريق عبر منذ البداية عن عدم أهليته لخوض التجربة في حين تمسك آخر بفهم معين والنتيجة أن الفريق غرق خلال يومين كاملين في نص غير متقن في لغته الأصلية. ولكن تبين لي من ذلك أن الترجمة أخذت منحى آخر لم أكن أعرفه: هي جهد تفاوضي يجمع ثلاثة أطراف: المبدع والمترجم (القارئ الوسيط /الكاتب) والناشر والقارئ النهائي. وتدخل في هذا المسار التفاوضي كل العناصر: الثقافة واللغة والقدرة على التبليغ والاتصال والقدرة على الإقناع وقوة الحجة وأيضا الاعتبارات الشخصية والذاتية.
· تبينت لي عدة مستويات تمثل حدودا قصوى:
o الثقافة: تعترض الثقافة أحيانا ترجمة النص الشعري فيكون مستعصيا تماما على الترجمة إلا إذا تم حل المعضلة. من ذلك أن بعض النصوص لم تلق أي قبول لدى الفريق الآخر بل اعترض على اختيار النص أصلا.
o اللغة: تمثل اللغة أحيانا جزء من مشكلة الترجمة فهي جزء من اللعبة الإبداعية وليست مجرد وعاء لمضمون منفصل عنها كما هو عليه الأمر في الترجمة العلمية. من ذلك مشكلات الصياغة والأزمنة والنحو والصرف، والتأنيث والتذكير ومشكلة العدد إلخ؛
o التقاليد الإبداعية: كانت القصائد المقترحة للترجمة في اللغة الفرنسية تتجه إلى ما هو يومي وآني، في حين كانت كثير من النصوص العربية المقترحة للترجمة تتجه إلى ما هو فكري وفلسفي ومتعالم وتنزع إلى التشبث بمظاهر التأمل المجرد باعتباره أفقا حداثيا كان مغيبا في الشعر العربي ؛
o الموقف الإبداعي: كانت النصوص الشعرية في اللغة الفرنسية تميل إلى التجريب والحركة وإلى ما هو آني متحرك وبصري ( شعرية الركح والمشهد حيث يتحول الشعر في بعض الحالات إلى إنجاز مرتجل أمام المتلقين) في حين تنزع الكثير من النصوص العربية إلى اللفظية المفرطة، (على أن هناك محاولات حديثة لارتياد أفق البصري والحركي والمشهدي داخل القصيدة العربية الحديثة)؛
o البنية الموسيقية للغة: تتميز اللغة العربية ببنية موسيقية خارجة قوية ملفتة للانتباه، وقد ورث الشعراء تقاليد الإنشاد المؤثر وهو في نظري يمثل عائقا أمام إدراك شعرية النص. وقد صارحني بعض الفرنسيين ممن حضر بعض أمسياتي باللغة العربية إنهم كانوا يتصورون أن قراءة محمود درويش هي القراءة الوحيدة الممكنة باللغة العربية. وتتميز اللغة العربية بطغيان الحروف الحلقية بينما تمتاز اللغة الفرنسية خاصة بالحروف الشفوية الهامسة مما يجعل مناخ القراءة مختلفا تمام بين اللغتين.


الهجرة إلى الداخل

أود هنا أن أشير إلى ظاهرة معروفة طبعت الأدب الجزائري المعاصر منذ الحركة الوطنية في بداية القرن العشرين: تعايش أدبين متجاورين ينتميان إلى لغتين مختلفتين تمام الاختلاف ويعبران عن ثقافتين متناقضتين في كل شيء : أدب مكتوب باللغة العربية (الفصيحة أو الدارجة في المسرح خاصة ويضاف إلى ذلك ظهور نصوص منشورة باللغة الأمازيغية في العشريتين الأخيرتين)، وآخر مكتوب باللغة الفرنسية.

وقد نشأت بعض التعابير الأدبية الحديثة بإحدى هذه اللغات دون الأخرى ثم انتقلت إلى بقية اللغات الأخرى المتداولة.

فتأسست الرواية الجزائرية في اللغة الفرنسية بقدر ما تأسست في اللغة العربية إن لم يكن قبلها بقليل. أما الشعر فقد كان سيد الموقف في اللغة العربية الفصيحة والدارجة والأمازيغية. وظهر بعد ذلك شعراء جزائريون باللغة الفرنسية أما المسرح الجزائري فقد بدأ باللهجة الدارجة وأما النصوص المسرحية المكتوبة باللغة العربية أو الفرنسية فقد تطور في سياقات مختلفة ليس هذا محل مناقشتها.

وما كان يجمع كل هذه الأجناس في كل هذه المجالات اللغوية هو القضية الوطنية، ولو من زوايا مختلفة وبطروحات متباينة فكانت الأطروحة الثورية الاستقلالية تناهض الإصلاحية أو الاندماجية.

كان المرحوم يوسف سبتي أول من استخدم مصطلح "الأدب المهاجر" في سياق الحديث عن الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، كما كان أول من أشار إلى اطراد ظاهرة الرجوع إلى اللغة الأم العربية أو الأمازيغية تحت أشكال مختلفة لدى كتاب اللغة الفرنسية الجزائريين.

وأولى محاولات الهجرة إلى الداخل وقعت في الخمسينيات مع ظهور كتاب اللغة العربية (الطاهر وطار وبن هدوقة في الرواية ) وتـأكدت بعد الاستقلال حين ظهر كوكبة من المبدعين باللغة العربية بل وتخلى المؤسسون الأوائل عن لغتهم الإبداعية الفرنسية التي أسسوا بها لأدبهم (ومنهم يوسف سبتي صاحب مقولة الأدب المهاجر) وهاجروا إلى الداخل: إلى الكتابة بالعربية الدارجة (كاتب ياسين في المسرح مثلا) أو إلى الأمازيغية. ومنهم من انتقل إلى البحث في تراث الجزائر الثقافي العريق(مولود معمري). ثم ظهر الجيل الثاني الذي كان بوسعه الانتقال بين اللغتين العربية والفرنسية بكل يسر (رشيد بوجدرة خاصة و عبد الحميد بن هدوقة ).

وخلال ربع قرن من الاستقلال نشأ جيل جديد من الكتاب باللغة العربية وأصبحت استعادة الهوية الثقافية مطلبا شعبيا وكان لا بد من البحث عن توازن جديد بين المجالات الثقافية واللغوية وانتقل مركز الثقل من المجال اللغوي البحت (التقابل بين المفرنسين والمعربين) إلى المجال السياسي والإيديولوجي (التعارض بين التقدمية والرجعية في الثقافة والأدب خلال مرحلة طويلة).

وعرفت العشرون سنة الأخيرة من القرن العشرين بروز نزعة متطرفة في الثقافة الجزائرية شملت كل الاتجاهات السابقة وحاولت إعادة تأسيس فهم جديد للتاريخ الثقافي الوطني قائم على تجزئة العناصر التي صنعت لحمته خلال قرون من الزمن والتي تضافرت خلال فترة التحرير والبناء الوطني لبناء ثقافة الوطن بديلا للجماعة الثقافية.

وفي السنوات الأخيرة عاد بعض المؤلفين والشعراء إلى الكتابة باللغة الفرنسية في نوع من الهجرة الثانية في سياق التطورات الأخيرة وتبعاتها المتمثلة في الهجرة إلى الخارج، واللقاء بالآخر: الآخر الخارجي والآخر الداخلي أيضا.

وأعتقد أن هناك إعادة توازن لمجالات الإبداع تأخذ فيه اللغات الأجنبية الأخرى(غير الفرنسية) حيزا معقولا في الأدب الجزائري.

بل إن الهجرة إلى اللغات الأجنبية ومنها الفرنسية أصبحت وسيلة للاتصال بالداخل، فالكثير من الذين كتبوا في الداخل لم يصل صوتهم إلى بلدهم الذي كتبوا فيه، واضطروا إلى اتباع طرق أخرى منها الكتابة باللغة الفرنسية والنشر في الخارج للعودة إلى الوطن بصورة المهاجر العائد بعد اغتراب. ويستوي في ذلك الذين هاجروا إلى المشرق والذين هاجروا إلى المغرب أو إلى الغرب. بل إن العديد من الأصوات الجديدة فرضت نفسها في الجزائر عن طريق المسابقات الأدبية التي تجري في المشرق أو بنيل جوائز في الغرب.

فهل أصبح الاغتراب منفذا إلى الوطن؟
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]


على زهوري

يذوب الصقيح

جمال اللحظة



شعر:Greve Gabi

ترجمة عاشور فني
انظر أيضا الرابط

...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]

حاوره ـ إيهاب مباشر
تهريب القدرات الإبداعية أخطر من تهريب الآثار
الشعر مازال رأس الحربة في الإبداع وترجمته تتطلب إدراكا للأبعادالثقافية
الحداثة ليست غربية بحتة
القصيدة" الحداثية" تعاني انفصاما بين التجربة الإبداعية والحياتية للشاعر
المدينة العربية في حاجة إلى مصالحة مع الشعر وفضاءاته القديمة
لا تعارض بين القيم الأخلاقية والإبداعية في المجتمع الذي يؤمن بالحريات
لحظة الإبداع استبصار كوني تنصهر فيها الذات فتسموعلى نفسها وتزداد ألقا
حاوره ـ إيهاب مباشر:
عاشور فني.. أستاذ جامعي.. اشتغل على مجالات عديدة في الاقتصاد بما يتعلق بالصناعات الثقافية.. نشر بعض مقالاته في مجلات علمية في الجزائر وخارجها.. نشاطه الأساسي في المجال الأدبي يتمثل في الشعر.. شارك في العديد من النشاطات الشعرية في الجزائر والعالم الغربي في فرنسا وبريطانيا وكندا وكولومبيا وبعض البلدان العربية ومن بينها مسقط .. التقته (أشرعة) فكان إبحارا في تجربته الإبداعية .. فإلى تفاصيل الحوار ..
* الإبحار والغوص دائما ما يكون بحثا عن اللآلئ والنفائس .. هلاّ أبحرت بالقارئ في تجربتك الشعرية وما مثلته لك من محطات في حياتك الإبداعية ؟**
في ما يتعلق بالشعر، أعتقد أنه كان في الحقيقة وسيلتي في التكيف مع الحياة، لم أكتب الشعر للمساهمة في النشاط الثقافي أو للظهور على الساحة الأدبية والإعلامية في الجزائر، أما التجربة الشعرية فكانت بالأساس تجربة في الحياة. أحب أن أعود إلى الفترة التي بدأت فيها كتابة الشعر وهي الفترة التي عدت فيها من سفر طويل، وقد وجدت بعد هذه العودة صعوبة في التكيف مع مدينتي التي كنت أعيش فيها، وكان نتيجة لذلك أنني في ثلاثة أشهر كتبت حوالي خمس قصائد وهي تعتبر مرحلة خطيرة جدا في حياتي، لأنني فيها كان عليَّ أن أقرر ما إذا كنت سأستمر في هذا أم أبحث عن عمل ما في المدينة وكنت آنذاك شابا ولكنني تريثت كثيرا في اتخاذ قراري وسمحت للتجربة أن تأخذ حقها ومداها في ذاتي وفي شخصيتي وفي تكويني. بعد ذلك وبعد شيء من النضج والاقتناع، كان عليَّ أن أنتقل عبر مدن جزائرية عديدة، ومن ثم الاستقرار في العاصمة، وهناك التقيت بمجموعة من الشعراء والمبدعين في مجالات عديدة، في الشعر والقصة وبعض الفنانين في مجالات فنية خاصة الموسيقيى والرسم. وهكذا بدأت تتشكل خيوط رؤية ثقافية، رؤية إبداعية مثقفة وليست قائمة على الفطرة فقط. وكان علينا أن نتعامل مع الكثير من التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية طيلة فترة الثمانينات، والتي انتهت بتغيرات كبيرة في الساحة العامة في الجزائر وفي نفس الوقت في الساحة الدولية ككل وانتهت فترة بكاملها، فكان علينا أن نعي تلك التحولات وأن نساهم فيها بأفكارنا وإبداعنا وأن ننتهي فيها إلى خلاصات شخصية لكل واحد منا، وفي نفس الوقت خلاصات تسمح لنا بالمساهمة والاستمرار في الفعل الثقافي على المستوى الذاتي والوطني وأيضا على المستوى الدولي. نحن في فترة ما، كان الشعر من بين الفعاليات الثقافية المهمة جدا التي وعت هذه التحولات وأكثر من هذا قدمت رؤية للعالم، أعتقد أن الشعر في العالم في الوقت الحالي ـ على الرغم مما يقال من أن مقروئية الشعر تراجعت ـ إلا أن الشعر مازال إلى الآن هو رأس الحربة في الإبداع، هو في مقدمة الفعاليات الإبداعية في العالم، وأنه قادر على إعطاء رؤية وعلى تزويد البشرية برؤى إنسانية، برؤى عالية جدا وهو قادر على الارتقاء بالوضع البشري، بالوعي الإنساني في العالم ويمكن أن ينتج قيما جديدة، قيم الحضارة والتسامح والجمال وقادر على إيجاد فرص لتبادل هذه القيم والرؤى بل وتصحيح الرؤى وقادر أيضا على إيجاد علاقات ثقة بين الحضارات وبين الثقافات وبين اللغات
.* ز.(زهرة الدنيا) تمثل خلاصة تجربتك الحياتية والشعرية .. كيف توضح ذلك ؟**
يمكن القول فيما يخص تجربة المجموعة الأولى (زهرة الدنيا) أنها كانت في الحقيقة خلاصة لأربع عشرة سنة من الجهد والوعي والإبداع وهي تجربة كانت محل تطورات ضمن تجربتي الإبداعية وضمن المحيط الاجتماعي في الجزائر وبذلك كانت (زهرة الدنيا) خلاصة لتجربتي الحياتية والشعرية وأعتقد أنني انتقلت فيها من الحديث الخارجي لتجربتي وستجد هذا في قصيدة (تمرين بي) وهي وصف خارجي أو ـ إلى حد ما ـ الحديث الخارجي عن التجربة، انتقلت من هذا إلى الحديث عن التجربة الداخلية ـ وستجد هذا في (الكروان) وفي (اقترابات) ـ (من الحديث عن التجربة الخارجية إلى ما هو أعمق في الذات وإلى ما يحدث في الذات الإبداعية، ما يمكن أن يكون محلا للتطور أو لتغيرات داخل الذات نفسها، داخل الرؤية، وأعتقد أن (زهرة الدنيا) حملت كل هذا. الآن وأنا أعود إلى قراءة (زهرة الدنيا) في بعض الأحيان أجد فيها رؤى وطريقة تفكير وكيفيات، كيف كنت أرى الأشياء يوما ما، ويمكن أن نأخذ أي عنصر من العناصر ونقول كيف تطور وضع هذا العنصر في قصائدي المختلفة، هذا ما يتعلق بتجربة (زهرة الدنيا). أعتقد أن في زهرة الدنيا قصيدتين تعتبران مفصلين أساسيين، كانتا مرتبطتين بتطور رؤيتي في الشعر وفي الحياة، وانتقالي إلى المرحلة التالية لم يكن مفاجئا ولكن في نفس الوقت كان ينمو اتجاه آخر وهو ما تم ضمن (رجل من غبار) لأن (رجل من غبار) بدأت أكتبه قبل أن أنتهي من (زهرة الدنيا) وظلت معي هذه التجربة خمس عشرة سنة، وهو عبارة عن خلاصة مكثفة لتطور رؤية وتطور حياة وأعتقد أن هذا الكتاب يجمع بين الخطين معا الخط الفكري والخط الرؤيوي . دائما ما يرتبط الخط الفكري بالحياة العلمية والثقافية أما الخط الرؤيوي فهو مرتبط بتطور الذات ..
وقد جمعت بين الخطين كما أسلفت بإحدى تجاربك .. فماذا يعني ذلك بالنسبة لعاشور فني ؟**
هذا يعني أنني نجحت في ألا يكون أحدهما على حساب الآخر، ألا تكون العملية الإبداعية فارغة المعنى، وألا يكون الإبداع مجرد كلام عقلي مرصوف خال من الإبداع، وأعتقد أن هذا خلاصة تجربتي. وقد بدأت مرحلة كان فيها انفتاح أكبر على التجارب العالمية وهي مرتبطة بشيئين أساسيين أولهما الترجمة وثانيهما الأسفار والمشاركة في الملتقيات الدولية وثالث الأمور وهو ما كان ثانويا وهو البحث، وفي الحقيقة أن الترجمة سمحت لي بأن أتعرف على حقل لم أكن أوليه العناية الكافية من قبل، فترجمة الشعر ليست مجرد ترجمة أدبية أو ترجمة لغوية، بل الترجمة من لغة إلى لغة أخرى تؤول في نهاية المطاف إلى الترجمة من ثقافة إلى ثقافة ومن حضارة إلى حضارة ويتطلب الأمر أحيانا إدراكا للأبعاد الحضارية والثقافية حتى يمكن أن تكون الترجمة وافية، أما الأسفار فقد سمحت لي بأن أتعرف على ما يجري في العالم من مجالات التطور الأساسية في الشعر بالذات وكيف أن الشعر في الوقت الحالي في بلدان أخرى في فضاءات ثقافية أخرى كنا نظنها ثقافات صناعية ومعادية للشعر ومعادية للإبداع، رأينا كيف أن الإبداع يزداد كلما ازداد التطور الصناعي والثقافي والتطور الحضاري عموما، وكيف أن الشعر مرتبط بالحضارة وليس خاصا بالبدو أو البادية أو المستويات الحضارية البسيطة، وهنا ترسخت لدي فكرة أن الشعر شيء أساسي في الحياة وليس تعويضا عن الحياة، فالشعر هو الخط العميق، هو الجانب العميق في الحياة، ولذلك فهذا الجانب الخاص بالمشاركة في الملتقيات الدولية واللقاء مع شعراء من حضارات مختلفة سمح لي بالتعرف على تجارب عديدة وسمح لي بتوسيع رؤيتي للشعر ورؤيتي لعملي الشعري. والجانب الثالث وهو ما صنفته بأنه ثانوي ولكنه انتهى بي إلى شيء خطير جدا وهو البحث، ففي الحقيقة كنت من بين ما كنت أبحث عنه لغرض ذاتي يتعلق بتطوير رؤيتي وقدراتي الإبداعية وهو جانب متعلق بالصورة وهو وظيفة الصورة في القصيدة، هذه قادتني إلى شيء من البحث في مجال الصورة وانتهيت إلى اكتشاف شيء لم أكن أوليه أهمية كبيرة وهو أن الشعراء التصويريين الأميركيين، اعتمدوا في تطوير رؤيتهم وبلورة نظريتهم الفلسفية والإبداعية على شعراء الهايكو اليابانيين الذين طوروا نظرية إبداعية تعطي أهمية كبيرة للصورة داخل القصيدة، وقد انتهت هذه الفترة وغاب الشعراء التصويريون وبقيت التصويرية مذهبا. وهذا أيضا سمح لي بأن أكتشف حتى في قصائدي وفي أشعاري أنني لم أكن غريبا على هذا وأنني كنت ـ إلى حد ما ـ أستلهم نماذج إبداعية لم تكن رائجة في قصائد الشعر العربي الحديث، وفي الحقيقة اكتشفت في يوم ما،وهذا بفضل شاعرة يابانية أن الشكل الذي كتبت عليه (رجل من غبار) هو قريب جدا من بعض أشكال الكتابة الشائعة في اليابان، وأعتقد أن هذه الشاعرة كانت تنظر إلى القصيدة باعتبارها هندسة، وعندما رأت مجموعتي الشعرية وكيفية توزيعي لشكل الكتابة، وهي لا تعرف العربية، فقالت إن هذا يشبه كتابة الهايكو، وأشكال أخرى ذكرتها في القصيدة اليابانية.
* هذا يعني أنك كتبت قصيدة الهايكو دونما قصد منك ؟**
بل بعض تقنيات قصيدة الهايكو وأثناء ذلك بدأت في تجربة تتعلق بموضوع جديد بالنسبة لكتاباتي وحاولت استخدام الشكل الذي اكتشفته ابتداء من (رجل من غبار) وربما من قصيدة (الكروان) وهي القصيدة المبنية على مقاطع متتالية، لو أخذ كل مقطع على حدة لكان كافيا ولكن حينما يوضع ضمن المقاطع الأخرى يكون أعلى وأسمى وأجمل وينتهي في نهاية المطاف إلى قصيدة، في (أعراس الماء) كان موضوع الماء غائبا إلى حد ما في قصائدي، في تجربتي الشعرية كما هو في تجربتي الحياتية توجد التربة والخضرة والأزمنة من صباح ومساء خاصة الليل وتوجد النجوم وكل الأماكن، ولكن قلما تجد المساحات المائية الشائعة، أعتقد أن هذا أحد الموضوعات التي أدت إلى تطوير طريقتي في الكتابة، حيث إن الكتابة في موضوع محدد وهو موضوع الماء في فترة محددة كنت فيها أشتغل على ترجمة بعض كتب الشعر، سمحت لي بالتوسع في الكتابة وفي نفس الوقت التعمق فيها، حاولت قدر المستطاع أن أدخل عنصر الصورة وأن أركز في جوانب هذا الموضوع المختلفة وسمحت لي أيضا وهو ما لم أكن أتوقعه، أن أدخل جانبا آخر؛ شكلا من أشكال القصيدة لم يكن موجودا في قصائدي وهو الشكل النثري، فالكتابة النثرية لم تكن موجودة في قصائدي، بعد هذا حاولت تطوير تجربتي عن طريق الاستفادة من قراءتي واكتشفت أنني لم أكن غريبا عن هذا من قبل، فالهايكو يقوم على الاختصار أو هو نوع من اقتصاد الكلمة واقتصاد الكتابة، يقوم على فكرة أساسية وهي الحد الأدنى من اللغة مع خصوصيات معينة خاصة بكتابة الهايكو وهو الالتزام بموضوعات معينة وبشكل معين، وهذا لم يكن يعنيني وإن ما كان يعنيني هو هذا الجانب وهو الاقتصاد الشديد والاعتماد على أقل قدر ممكن من الكلمات في القصيدة.
* (صراع الحضارات والثقافات) مقولة ترددت كثيرا على مسامعنا في الآونة الأخيرة ومازالت إلى الآن .. هل تراه واقعا وما مدى مساهمة الشعر به ؟ **
ما يقال عن الصراع بين الحضارات أو بين الثقافات بين الشرق والغرب، أو ما بين الشمال والجنوب، فهذه مقولات شائعة في العلاقات الدولية ولكن الثقافة يمكن أن تجد أفضل تعبير لها، تجد صيغة مثالية لها فيما بين الشعريات في العالم، وهو واقع، ما بين الشعراء في العالم من خلال المهرجانات الدولية التي تقام هنا أو هناك، وكان من حظي أن شهدت بعض هذه الحالات في عواصم عالمية، وقد شهدت ذلك في مدن وحواضر بسيطة جدا وهي المدن الأشبه بالقرى التي تحتض الزخم الشعري العالمي كما يحدث في بعض بلدان البحر المتوسط أو بعض بلدان أميركا اللاتينية، وتتواجد فيها تجربة الشعراء الأفارقة، شعراء بلدان الشمال والشعراء اليابانيين والأميركيين، وهذه في الحقيقية سمحت لي بتوسيع رؤيتي وتعميق تجربتي وتعميق رؤيتي للشعر ولطبيعة وظيفته ودوره في العالم الراهن. أعتقد أن الشعر شيء أساسي وهو ما انتهيت إليه، الشعر مثل الحب والإيمان، أشياء أساسية في الحياة لا يمكن أن تنتهي، عناصر مكونة للحياة المعاصرة وستظل كذلك فيما بعد، ستظل منبعا للإبداع في الفنون الأخرى مثل الرسم والموسيقى والمسرح والسينما وما إلى ذلك، سيظل الشعر مبثوثا في كل الفنون الأخرى بما فيها الفنون النثرية مثل الرواية والقصة والمقالة الصحفية وغيرها، سيظل الشعر دائما منبعا للرؤى ومنبعا للقيم الجمالية والقيم الإبداعية
* أراك تعمل على أكثر من صعيد في مجالات متعددة منها الأكاديمية والإبداعية وحتى الإنسانية .. ألا يعوقك هذا التشظي ويؤثر على تجربتك الإبداعية والحياتية ؟**
كثرة الاهتمامات في الحقيقة خدمتني من ناحية بقدر ما كانت في بعض الأحيان عائقا أمام التقدم السريع، لأن من يشتغل على ثلاث جبهات لا يتقدم إلا ببطء ولكن هذا التقدم يكون أكيدا، حتى في المجال الإبداعي أحيانا أجدني أشتغل على تجربتين أو أكثر في نفس الوقت، وأحيانا على قصيدتين في نفس الوقت، وبالطبع يقع نوع من تبادل التأثير ولكن في ذات الوقت يكون عنصرا مغذيا للرؤى في الكتابة والتجربة والعمل، وهو يكون على حساب عامل الزمن ولذلك أعتقد أن هذا التشتت وهذا التعدد في مجالات الاهتمام هو أيضا وسيلة لتعميق الرؤى والربط مثلا ما بين عنصر أو جانب علمى مثل اقتصاديات الإعلام واقتصاديات الصحافة وربطها بالمجالات الإبداعية، هذا شيء مهم جدا . تعدد الاهتمامات في نهاية المطاف يصب في نقطة واحدة هي في المجال الثقافي، في الإبداع الثقافي.
* ما قيمة الثقافة .. وهل نحن في حاجة إلى إبداع مدروس أم يكفينا ما هو قائم على الفطرة والعبقرية ؟**
أعتقد أن الجمع بين الرؤية العلمية والرؤية الإبداعية يخدم الرؤيتين معا، لم يعد الإبداع قائما على الفطرة أو على مجرد العبقرية، بل الإبداع أيضا عمل مدروس وعمل متواصل، وعمل وراءه إرادة سياسية، لا ينبغي أن نترك المبدعين والشعراء والفنانين ونقول إن عبقريتهم كفيلة بأن تضمن استمراريتهم أو ترفع شأن بلدانهم، بل ينبغي أن يكون هؤلاء المبدعون مندرجين داخليا ضمن سياسة واستراتيجية وراءها إرادة سياسية قوية. في الوقت الحالي أصبح بالإمكان تهريب القدرات العلمية والإبداعية بقدر ما هو ممكن تهريب المنتجات الإبداعية مثل آثار بعض البلدان، قد يكون تهريب الآثار وبعض المنتجات الفنية بقرصنة الأعمال الفنية، عملا خطيرا وتجب محاربته، أما الأخطر منه هو تهريب القدرات الإبداعية. نلاحظ الآن معظم المبدعين العرب في المجالات لم يعودوا يجدون مقرا لهم أو مجالا لهم في بلدانهم فيذهبون إلى بلدان أخرى .
* .. وما سبب هذا الرحيل القسري ؟**
أعتقد أن الإجابة تتضمن شقا موضوعيا وشقا ذاتيا بالضرورة، ولكن هناك جانب موضوعي يجب بحثه، هل تتوافر شروط الإبداع في كل بلدان الوطن العربي؟ هل تتوافر إمكانية النمو والاستمرار للمبدعين وللإبداع في بلداننا؟ ينبغي هنا أن نطرح السؤال، وهذا السؤال مطروح علينا بحدة في الوقت الحالي لأن البلدان المتقدمة بالإضافة إلى الموقع الاحتكاري الذي تتمتع به في المجالات الصناعية والاقتصادية، فهي أيضا في الوقت الحالي اعتمدت سياسات هجومية فيما يتعلق بتهريب القدرات الإبداعية من بلدان العالم الثالث التى يعاني مبدعوها من ظروف صعبة في الحياة، تستغل الظروف السيئة لهؤلاء كي تستعبدهم وتحولهم إلى عبيد ضمن برامجها وقد ترفع لهم شأنهم وتوفر لهم إمكانيات هائلة جدا في الغرب وبذلك فإن بلداننا تحرم من قدرات هؤلاء وإمكانيات التطور. أريد أن أصل من هذا إلى أن الإبداع والعبقرية وحدها لا تكفي، ينبغي أن تسندهما سياسة قائمة على إرادة، هي إرادة سياسية واضحة وينبغي أن يدخل كل هذا ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى، المبدعون في الوقت الحالي هم جنود حقيقيون، والإبداع في الوقت الحالي قضية استراتيجية وهو لا يقل أهمية عن المجالات الاستراتيجية الأخرى مثل الدفاع والأمن القومي، وأعتقد أن الإبداع والجوانب الثقافية الأخرى تحتاج إلى مزيد من الجهد والموارد والعقلانية في السياسات الثقافية في بلداننا العربية جميعا
.*
اشتغلت على مجالات عديدة في الاقتصاد بما يتعلق بالصناعات الثقافية .. فكيف ترى العلاقة بين الثقافة والاقتصاد ؟**
العلاقة بين الثقافة والجانب الاقتصادي خطيرة جدا وتحتاج إلى نوع من الانتباه بقدر ما يمكن أن نلاحظ أن هناك تراشقا يختلف من مرحلة إلى أخرى ومن بلد لآخر ما بين الأشكال الثقافية المختلفة وما بين الفنون بالأشكال التعبيرية الفنية المختلفة، نجد مثلا أن الرسم يحتاج إلى دعم أكثر، ونجد أن الموسيقى السيمفونية والموسيقى الراقية تحتاج أيضا إلى جهد أكثر أما الموسيقى الشعبية والأغاني فتسير من تلقاء نفسها وتجد قبولا لها في قنوات الاتصال الحالية وهذه ليست خاصة بالبلدان العربية، ولكنه اتجاه عام في بلدان العالم، هناك ميل لسطوة وسيطرة وسائل الاتصال على الحقل الثقافي، الذي يظهر في الوقت الحالي في شكل استيلاء شركات الاتصال على الشركات الثقافية وشركات الاتصال الضخمة في الغرب تشتري الآن الشركات الثقافية القادرة على الإنتاج لأن التطور الذي وقع في مجال وسائل الاتصال جعل قنوات الاتصال تتوفر على إمكانيات توصيل هائلة فتحتاج إلى ترويج نوع معين من المحتوى الثقافي الذي هو في حاجة إليه وإذا أردنا لغة تقنية نقول إن صناعة الوسيلة متطورة بينما صناعة المحتوى تحتاج إلى دعم مستمر لأن المحتوى يتغير باستمرار، ولهذا في الوقت الحالي نجد أن شركات الاتصال الكبرى وهي شركات الإنتاج الثقافي تضمن لنفسها بقاء في السوق الإعلامية، وهذا يترتب عليه أن من يمتلك وسائل الاتصال هو الذي يحدد ما هو نوع الإبداع المطلوب في المجال الأدبي أو الفكري والفلسفي ونجد كيف أن هذا التطور في مجال الاتصال كان على حساب النمو الثقافي
.
* هذا يعني أن المجال الاتصالي يفرض توجها معينا في الثقافة ؟**
لا يقف عند حد فرض توجه معين في الثقافة، بل وقد يسيء إلى الثقافة، وقد يتمكن المستوى الاتصالي الإعلامي من أن يعكس كل التنوع الثقافي وأن يكون لصالح الثقافة وتطويرها وإعطائها زخما وبعدا عالميا وقوميا يتجاوز الحدود الوطنية، وقد يعمل هذا المجال الاتصالي على حجب بعض الفنون وعلى التركيز على نوع معين من الفنون وهو مرتبط بما هو مطلوب أكثر بالنسبة للمعلنين ولمالكي القنوات أو لفئات أخرى مسيطرة في مجال الاتصال .
* .. وما المطلوب حيال هذه القضية الهامة ؟ **
أن تكون هناك استراتيجية مستقبلية برؤى واسعة وشاملة يمكن أن تضمن للمجتمعات العربية والثقافة العربية وجودها على المدى البعيد ولا نتوقف عند حدود بسيطة من خلال أو عند مظاهر معينة غير دائمة في الثقافة ومن خلالها يمكن أن نقصي المثقفين والمبدعين من حقهم الطبيعي من المساهمة في تطوير الثقافة العربية، ولذا ينبغي ألا نغلب القضايا الجزئية على القضايا الكلية، القضية الأساسية في الوقت الحالي في الثقافة العربية هي قضية استراتيجية بمعنى أن تتوافر رؤية لتطوير الثقافة العربية، سياسات وطنية لها أهداف معينة في مدى زماني محدد وأن توضع لها الوسائل الكفيلة بتحقيقها وأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية قادرة على اتخاذ القرارات وعلى المواجهة وعلى تطوير هذه الثقافة.
* ونحن نطوف بحديثنا لامستنا الحداثة .. فهل لنا أن نقف على تعريف أو هوية محددة لها ؟ **
كثير من الشعراء الذين اعتمد عليهم المترجمون في مجال القصيدة واعتمد عليهم الشعراء العرب مثل تي إس إليوت، ومن نعتبرهم آباء للحداثة الغربية، استلهموا التراث الشرقي لتطعيم نظرتهم وبلورة تياراتهم وفلسفاتهم وهذا كان شيئا أساسيا بالنسبة لوعيي لأن الرؤية التي كانت سائدة بأن الحداثة تأتي من الغرب، أما بالنسبة للغرب فالحداثة تأتي من الشرق. ولا يمكن أن تكون هناك حضارة أكثر من هذا بأن يستلهم الغرب الشرق، وأن يستلهم الشرق الغرب. والنقد العربي في مجال الشعر يخطئ كثيرا حينما يقصر الحداثة الشعرية في مدارس غربية أو منبع واحد وهو منبع الغرب، بل علينا أن نعود إلى المنبع الشرقي للحداثة وألا نغفله، فالحداثة نجدها في اليابان والصينولدى العرب أنفسهم بقدر ما نجدها في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، والحداثة متعددة وبإمكاننا أن نكون حديثين ونحن على شكلنا وبصورتنا ودون أن نبدل جلدنا وهويتنا، فحين ننتهي بعد تأمل وممارسة واتصال بالآخرين أن نظرة الحداثة العربية كانت مخطئة كثيرا حين تركز على منبع واحد وعلى رؤية وصورة واحدة، فالحداثة لها منابع متعددة من بينها المنبع العربي الإسلامي، وذات أشكال وصور متعددة وهي ممكنة في كل مناطق الأرض وليست حكرا على الغرب، وليست غربية بحتة، بل لها مصادر أخرى، وقادرة على أن تشمل حضارات وثقافات أخرى، فلا يصح أن نبقى في تلك النظرة المحددة التي ترى الحداثة في جهة واحدة وثقافة واحدة وحكرا على أناس معينين .
* ما مدى تأثر تجربتك الشعرية بهذه الرؤية ؟**
في ما يتعلق بتجربتي في الكتابة كانت تتطور ولا أعتقد أن لها شكلا واحدا ولا شك أن هذه التجربة الحياتية والتجربة في الكتابة سيكون لها أثر كبير على كتابتي في المستقبل، في الوقت الحالي أعيش تجربة قوية أتوقع أن تؤدي بي إلى تطوير رؤيتي وأنا أحاول من خلال هذه التجربة أن أوسع وأعمق هذه الرؤية لأتمكن من المساهمة في الحياة الثقافية في الجزائر وفي الوطن العربي.
* هل هناك علاقة بين الحرية والإبداع .. وهل هناك حدود للمبدع أم أنه يكتب ما يشاء وقتما يشاء ؟**
أعتقد أن القيمة الأساسية للإبداع، والتي يجب أن يتبناها المبدع وهي ضرورية للإبداع وهي (قيمة الحرية) فهي قيمة مطلقة، ينبغي أن يكون المبدع حرا في ذاته وبينه وبين نفسه، وأن يتخذ لنفسه كل المجال الذي يحتاجه من الحرية بينه وبين مجتمعه في إطار الحب وهذا شيء ضروري للإبداع
.
* هذا يوصلنا إلى الحدود الذاتية للمبدع .. فهل لنا أن نقف عليها؟**
يتوقف الإبداع بالنسبة للمبدع على إمكانياته وقدراته، على موهبته إن صح التعبير، وعلى مدى استعداده وانتباهه وتأهبه ومدى انخراطه في المسار الإبداعي وهو مسار مهم جدا، وينبغي أن يلقى الاهتمام والجهد الكافي من المبدع
.* هل تؤمن بحدود قيمية وأخلاقية للإبداع ؟**
الإبداع في حد ذاته هو قيمة أخلاقية، قيمة من القيم الاجتماعية، فالمجتمعات المتطورة تجعل صفة الإبداعية قيمة من القيم التي يطلبها المجتمع لذاتها، والمجتمعات التي تكون في حالة ازدهار وانسجام ونمو لا تتعارض بها القوى بل كلها تنسجم في قوة واحدة، في هذه الحالة نجد أن كل القيم تصب في اتجاه واحد دون أن يقع تعارض، أما إذا وقع اختلاف أو اختلال ما بين القيم الإبداعية وبعض القيم السائدة في المجتمع، فهذا دائما دليل اختلال قائم في المجتمع، إما أن يكون هذا الاختلال موجودا في المجال القيمي أو موجودا في المجال الإبداعي، وهو في معظم الحالات يكون موجودا في مجال الحريات، والمجتمع الذي يؤمن بالحريات ويجعلها قاعدة أساسية ويضمن الحرية للجميع، لا تقع فيه مثل هذه التعارضات ما بين القيم الأخلاقية والإبداعية. أعتقد أن الإبداع لا يعني بأي حال من الأحوال التعدي على الحدود الأخلاقية أو حدود اللياقة، بل على العكس فالإبداع يحمل كل قيم الجمال والخير والحب والتسامح، ولا أعتقد أن أي تجاوز أخلاقي يحمل أي قيمة إبداعية.
* .. وما حدود الإبداع الأخرى ؟ **
هناك حدود اجتماعية، يمكن لمجتمع ما ألا يقبل أنواعا معينة من الإبداع أو يرفض مستوى معينا أو يتوقف عند حدود معينة يفرضها على المبدعين لا يتجاوزنها أو لا يمكن لمجتمع أن يوفر الشروط الضرورية للإبداع في مجالات معينة، هذا بشكل عام، لكن يبقى أن تكون للإبداع حدود ثقافية، فثقافة ما إذا كانت تقليدية بشكل معين أو لها توجه معين أو تركز على نقطة معينة، فيمكن أن تهمل الإبداع في مجالات معينة وهناك حدود سياسية للإبداع وقد رأينا كيف أن السياسة أحيانا تفرض حدودا قاسية على مجالات الإبداع بالنسبة للمبدعين ولأعمالهم الإبداعية وقد رأينا كيف أن الديمقراطيات الحرة، الديمقراطيات العريقة في هذا المجال أحيانا تتدخل العوامل السياسية للحد من مجالات الإبداع لكن رأينا أيضا في هذه الديمقراطيات كيف أنه في كثير من بلداننا وفي بعض مراحل التاريخ، تكون لدى المبدعين القوة الكافية ويكون لهم التنظيم الكافي والقدرات الكافية والنفوذ القوي في المجتمع الذي يمكنهم من فرض القيم الإبداعية على المجتمع بشكل عام وأن تكون النخبة هي التي تقود القيم وتكون مصدرا لهذه القيم وللسلطات الراقية وأيضا كيف أن هذه النخبة تكون قادرة على فرض توجهات معينة في المجال السياسي وقد تكون قادرة على المساهمة الفعالة في النمو والتطور، ورأينا في تاريخنا العربي الإسلامي القديم كيف أن الشعراء احتلوا مكانة راقية ومتقدمة جدا بالنسبة للسياسة وإن كانت أحيانا غير موازنة في علاقة الشاعر بالحاكم، ولكن نلاحظ الآن أن هذه العلاقة تتراجع لصالح فئات أخرى من المثقفين،
* الزمان والمكان جناحا المبدع يحلق بهما أنى شاء في فضاء إبداعه .. فهل لنا أن نعرف منبعهما وحضورهما ومرافقتهما وامتدادهما والاتساع عند الشاعر عاشور فني ؟**
بالنسبة لزمان ومكان الإبداع فإنني أعتقد أنه يمكن أن نجمعهما في شيء اسمه الفضاء الزماني والمكاني، هذا الفضاء يمتد إلى مراحل عديدة وفي اتجاهات عديدة، وبالنسبة لي فإنه ينبع من الطفولة ولا أرى لحظة أو نقطة معينة، فكل ذلك العالم بمكاناته وفضاءاته وأزمنته العديدة أيحضر أثناء الكتابة، كما يمتد إلى مرحلة أخرى أو فضاء آخر وهو فضاء القلب وكيف يتغير أو يتحول ويتسع ليشمل الآخرين جميعا وينزع نزعة عالمية في علاقات مع أشخاص وأصدقاء وصداقات وعلاقة بالآخرين. هذا أيضا هو اتجاه مهم جدا وهو اتساع داخل الفضاء الإبداعي.الجهة الثالثة في هذا الفضاء تمثلها القراءات والتأملات في المجال الثقافي وفي مجال تجربة الحياة، هذه الاتجاهات والأبعاد العديدة للفضاء الزماني المكاني ترافق المبدع، تتطور معه وتتسع أيضا بالإبداع وأعتقد أنه في أحيان ما وأثناء لحظة الكتابة، طبعا نكتب في مكان ما ونبدأ النقطة الأولى أو الخط الأول في لحظة ما وأثناء تلك اللحظة تحضر كل هذه الفضاءات مجتمعة بما فيها من ماض، وتحضر أيضا بعمقها الحالي، بالفضاء الحالي كما هو موجود بأصواته وبنأماته المختلفة وبروائحه، كل هذا يحضر كما تحضر أيضا احتمالات كل ما هو موجود في المستقبل.
* وما الفضاءات التي تحضر في كتاباتك على وجه الخصوص ؟**
بالنسبة لي، ما زالت تحضر في كتاباتي أمكنة معينة منها قريتي (أم الحُلي) وتحضر أيضا منطقة أخرى كان من حظي أن عشت فيها وهي منطقة جنوب الجزائر، موطن الطوارق وهي أيضا موطن قصيدتي، عشت فيه ومازال يعيش معي، أيضا تحضر المدن التي عشتها في الجزائر والمدن التي رأيتها في الخارج، أعتقد أن هذه الفضاءات المتعددة مازالت تؤثر في الفضاء الصغير الذي أكتب فيه وهو الصفحة، وأحيانا أتساءل، كيف يمكن لهذه الصفحة البسيطة أن تحوي كل هذا العالم وكل هذه الفضاءات بكل تنوعاتها وبكل ألوانها ؟! إنه شيء خطير جدا، صفحة بيضاء لا شيء فيها لكنها في المقابل فضاءات عديدة مترامية متراصة، متداخلة في بعضها، وأيضا مكتظة بالأصوات والأشياء والعوالم المختلفة، هذه كلها تحضر في لحظة الكتابة وتتزاحم وتتدافع، هناك نقطة أخرى وهي قراءة القصائد في المدن، أرى أن المدينة العربية في حاجة إلى مصالحة مع الشعر، فضاءات الشعر العربي القديم، فضاءات البادية وفضاءات القرية أحيانا، كما أن القصيدة تحتاج هي الأخرى إلى المصالحة مع فضاء المدينة.
* لحظة الإبداع من أخطر اللحظات التي تمر بالمبدع .. هل لك أن تستحضرها لنعيش معك فيها ؟**
لحظة الإبداع من أخطر اللحظات وأصعبها، أولا هي لحظة يمكن أن تأتي في أية لحظة ولا تستأذن وأحيانا تفاجئنا في أماكن لم نكن نتوقعها ولحظة الإبداع يمكن أن تكون لحظة موازية للحظة اليومية التي نعيشها تدخل فيها وتحولها من الداخل، قد نكون في جلسة ثم تنبثق هذه اللحظة فنخرج من الجلسة وندخل في عالم مواز، نكون في مكان آخر، وقد حدث هذا معي عدة مرات في سفر أو في قطار مثلا ويصبح السفر سفرين، سفر بالقطار وسفر في الزمان، وفي مجالات الإبداع، في أشكال التعبير الإبداعي، وقد حدث هذا معي أثناء اللحظة الإبداعية أن يغيب الفضاء الذي نعيش فيه بكامله وتحضر فضاءات أخرى رهيبة تفرض نفسها في القصيدة، وقد حدث معي أن كتبت جزءا من (رجل من غبار) والأضواء مطفأة، فأنا أكتب على ورقة ولا أرى ولم يكن بإمكاني أن أغامر حتى بإشعال الضوء وبتغيير الفضاء الذي كنت أكتب فيه، فاللحظة الإبداعية لحظة خطيرة جدا، لحظة بقدر ما نركز انتباهنا واهتمامنا بنقطة معينة، تحضر لنا من عوالم ومن قدرات بقدر ما تجند وتجيش فينا من طاقات ومن قدرات تمكننا من الإمساك بهذه اللحظة والإمساك بكل العوالم السابقة واللاحقة أيضا وتمكننا من الاتساع ومن الانفجار والتشظي، أحيانا تصبح الذات نقطة بسيطة في عالم كبير جدا وأيضا هذه اللحظة تسمح لنا بأن تتسع ذواتنا لعوالم الآخرين، تسمح لنا أيضا بأن نرى أشياء لم نكن نراها أو نتخيلها، تسمح لنا اللحظة الإبداعية بأن نرى الأشياء بشكل مخالف، وأحيانا تكون هذه اللحظة هي لحظة استبصار كوني من خلالها نرى أشياء رؤيوية، نصل من خلالها إلى مستوى رؤيوي معين يمكننا من الكتابة، هذه اللحظة هي بوتقة يمكن للذات أن تنصهر فيها وأن تسمو على نفسها وأن تزداد ألقا واتساعا، هذه اللحظة إذن هي لحظة معرفة ولحظة جمال ولحظة استمتاع قصوى، تمكننا أيضا من التعلم والاستزادة من منابع الجمال والذات والاستزادة من الاندماج في العالم أيضا وقد تكون لحظة انغلاق تام لا نستطيع أن نتواصل فيها مع الآخرين وهي لحظة خطيرة لأنها يمكن أن تؤثر في مستقبلنا وفي حياتنا، ويمكن أن تؤثر في مستقبل القصيدة
.
* ماذا عن وعيك الذاتي لهذه اللحظة ومدى أهميتها في حياتك الإبداعية ؟**
أعتقد أن الوعي الذي ينتاب الذات أثناء اللحظة الإبداعية هو الوعي الإبداعي، ليس وعيا عقليا مجردا ولا وعيا فلسفيا ولا مجرد أحاسيس، بل كل هذه المستويات دفعة واحدة وأعتقد أن حساسية المبدع لدرجة الإشفاف بالعالم تتضاعف مرات عديدة أثناء هذه اللحظة ويصبح بإمكان المبدع أن يرى أشياء ويزيدها من ذاته ألقا وألوانا، هذه اللحظة الإبداعية لها قدرة عجيبة على تجنيد ودمج كل الطاقات النفسية والإبداعية الضرورية للكتابة، فهي قادرة على زيادة طاقات الذات في الإبداع، طبيعة الوعي هذه اللحظة تختلف عن طبيعة الوعي الذي نعرفه، سبق وأن ذكرت أن فضاء المكان أو الزمان قد يغيب، وهذا ليس غيابا عن الوعي، بل هو الدرجة الأخرى من الوعي، درجة أرقى من الوعي، درجة تجتمع فيها كل الملكات وكل الحواس، لا تصبح فيها الملكة العقلية منفصلة عن بقية الأحاسيس، بل تنصهر كل هذه الملكات في وعي إبداعي بقدر ما يستبصر العالم ويدركه بقدر ما يقدم رؤية وفضاء وروحا
للقصيدة.
لمطالعة الحوار في صيغته الأصلية الرجاء اتباع الرابط:
alwatan.com/graphics/2007/05may/8.5/dailyhtml/culture.html
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]


ضاقت الأرض من حوله فاتسع!

وتساقطت السموات على رأسه... فارتفع!

وتلبد بالحزن، بالموت، حتى غدا فرحاً دائماً،

هكذا لم يكن مثله احد،

يستعين على نفسه بالوجع...
عاشور فني
...تابع القراءة